ما منحــــتنا له نيفـــــاشا باليمـــــين جـــاءت الشــريرة لتنتـــزعه بالشــــمال ..
قصـــة فاطـــــمة السمــــحة والذئــــب تكــــررت في اســــــمرة ..
د. أبومحــــــــمد ابوآمنـــــــــــه
اصر مفاوضو الشرق علي مواصلة التباحث في ملف المشاركة في السلطة حتي النهاية حين تآمرت الانقاذ علي طيه, ثم بعد اكماله علي الوجه الاتم التحول الي ملف الثروة. الا ان الوفد الحكومي اصر اصرارا عجيبا بان ملف السلطة بالطريقة التي تنظر بها جبهة الشرق للامور غير قابل للتباحث. الغريب ان كل ما تمسكت به جبهة الشرق كان هو تكوين الاقليم الواحد تحت ادارة ابنائه, والمشاركة الفعالة في السلطة المركزية بمختلف اوجهها بنسبة الكثافة السكانية للاقليم, وكانت مثل هذه المطالب قد حققت في نيفاشا وبشكل اقل في ابوجا.
ازاء الضغوط المتواصلة رضي المفاوضون في الدخول الي ملف الثروة وترك ملف السلطة مع معلقا.
لابد من الاعتراف باخطائنا وذلك لتصحيح المسار, تلك الاخطاء التي تراكمت عبر الاجيال, واوقعتنا بما نحن فيه الان من مشاكل. لم تكن للحركة السياسية البجاوية رؤية مدروسة متكاملة لتنمية الشرق لا علي المدي القريب أوالبعيد, ليس هذا فحسب, بل ان المفاوضين لم يكونوا في علم كامل عن المشاريع الموجودة بالاقليم واي منها يخسر واي منها يكسب حتي تستطيع ان تناور اثناء المباحثات, ترفض هذا وتقبل ذاك, وبعضهم لا يعرف ما هي الموارد الاساسية للاقليم. ليس هذا عيبا في حد ذاته. ففي نيفاشا وابوجا واجهتهم نفس المشكلة. لكن العيب والخطأ الكبير هو ان تتستر علي اخطائك. الا انه في ابوجا ونيفاشا احضروا معهم ما يسمي بالبنوك المعلوماتية, وهذه جهات متخصصة لها المام تام بمواضيع محددة يمكن ان ترشدك وتوجهك متي ما احتجت, وترفع عنك الضغط متي ما ضغطت, ثم ان الدول الراعية للاتفاقيات تقدم المشورة الفنية متي ما لزمت الحوجة.
اي جهة تفاوض وفي اي قطر او موقع لابد ان يكون لها بنك معلوماتي, بما فيه من خبراء ومتخصصين ومرجعيات في مختلف دروب الحياة.. الا جبهة الشرق التي رأت انه من العيب الاستنارة برأي اخرين.
الاصرار في التمادي علي السير في طريق الجهل جهل.
فلابد ان تقع ضحية للمناورات الانقاذية, وتفقد القضية.
وهذا ما تم بالضبط, وفي اول لقاء.
كانت قد اعدت ورقة بعد نقاش مستفيض تحوي وجهة نظر جبهة الشرق للمشاركة في الثروة وقدمت للوسيط. وكانت تحوي مقترحات تماثل ما توصلت اليه الحركة الشعبية في نيفاشا وما جاء في ابوجا وأخيرا في لقاء تسني. تناولت الورقة ضرورة المشاركة في الثروات الطبيعة كذهب ارياب والمواني والجمارك, والخطوط البحرية, والثروة السمكية والطرق العابرة, والسياحة, والمشاريع الزراعية وإحيائها كالفاو والرهد وحلفا الجديدة والقاش وبركة والزراعه الآليه بالقضارف وودالحليو والتجارة الحدودية.
استمع الوفد الحكومي لذلك الطرح بمكر شديد. وقال: نحن يمكن ان نستجيب فورا لكل هذه الاطروحات, ولكن انتم بذلك تظلمون انسان الشرق, فكل هذه المشاريع والموارد التي تتحدثون عنها تعمل عندنا بالخسارة, فارياب علي وشك الافلاس, والمواني تقع تحت وطأة ديون ثقيلة لن تتحملوها, انتم تضيعون انفسكم... وحتي لايحصل هذا فنحن عندنا لكم البديل.
الانقاذ عندها البديل لتنمية الشرق!!
فوجئ الوفد بما يقوله المفاوض الحكومي. وهذا ليس بغريب. فوفدنا لم يحضر مسبقا دراسات عن المشروعات الناجحة والفاشلة, ولم يكن يعي بتاتا ما تدخله الميناء او الجمارك او ذهب ارياب للدولة, وحتي الدراسات التي اعدها البعض عن موارد الميناء والسياحة علي مر السنين كان مصيرها سلة المهملات. ثم ان جبهة الشرق, ربما من تلقاء نفسها أو قل مأمورة, استغنت عن الطاقات المعلوماتية من سودانيين او بيوتات اجنبية.
وفدنا لم يكن يدرك بان الشرق يضخ للمركز سنويا ما لا يقل عن ال 4000 مليار دينار بينما ابناؤه يعانون من المجاعة والفقر والمرض والتهميش والاستغلال والاستعلاء والابادة.
,المفاوض الحكومي كان يدري كل هذا, كان يعرف نقاط الضعف في المفاوضين.
كان عليه ان يضرب ضربته.
قال ودموع التماسيح تسيل علي خديه: خذوا كل ما تطلبونه الان, نحن موافقون...ولكن..
ولكن...
بهذا تكونون ظلمتم اهل الشرق الذين يحتاجون الي تنمية واعمار, وهذه المشاريع الفاشلة لن تجلب فائدة.
لكن نحن نطرح لكم البديل.
ضعوا ما ترونه مناسبا من مشاريع تنمية واعمارعلي الورق ونحن سنوافق عليها. لا تضيعوا الفرصة! خذوه حار من ناره!!
انسان الشرق يجب الا تضيع حقوقه, قالت الانقاذ وزرفت الدمع, وحينها سالت الدموع من وفدنا المفاوض, وتعانق الوفدان.
اذا فلنترك المشاركة في الثروة جانبا, ونقبل وعود التنمية والاعمار الانقاذية. واتفقوا!
قصة فاطمة السمحة والذئب تكررت في اسمرة.
قالت فاطمة والدمع يسيل علي خديها: قبلنا بصندوق اعماركم اذن.
ولكنها استدركت: لنا رفاق في الفندق لابد من استشارتهم, وهنا تكهرب الجو والوفد الحكومي يدرك بان من سماهم بالمشاكسين يقبعون هناك, ولا شك انهم سيقلبون المواعين عليهم. وقال الذئب: لنا كلمة سرية, لكن لا تبوحوا بها لاحد وخاصة للجماعة في الفندق. وتمت الوسوسة.
كان لابد ان تتناول المباحثات في ملف الثروة الحقوق الطبيعية للمجموعات الاثنية في الثروات, التخطيط وتنمية الارض والموارد الطبيعية, تحديد المسئوليات المالية بين المركز والاقليم, ووضع الاسس الاقتصادية للاعمار والاستثمار والتنمية.
يكتسب الشرق وضعا خاصا بوجود الميناء, والجمارك والبحر والمنارات, وبالخطوط العابرة سواء كانت بترولية, قارية او سلكية فيه, والذهب والمعادن الاخري, البترول والغاز الطبيعي والسياحة واكبر المشاريع الزراعية المطرية في القارة, فلا يمكن ان تكوين كل هذه المشاريع فاشلة.
ان الانقاذ تظن انها بحجبها للمعلومات ستواصل امتصاص دماء البجا الي ما نهاية, وتتركهم فريسة للجهل والمرض والمجاعات والتهميش والاذلال. لقد حمل البجا السلاح من اجل القضية, وان سلموه اليوم نتيجة لموازنات خارجة عن ارادتهم, فانهم سيواصلون النضال باصرار وعناد حتي تتحقق تلك المطالب.
كان لابد للاطراف المتفاوضة, لو توفرت النيات الحسنة, الاستفادة التامة بما تم التوصل اليه في كل من نيفاشا وابوجا وخاصة وان تلك الاتفاقيتين صارتا جزء من الدستور الذي تلتزم به السلطة علي الاقل من الناحية النظرية.
كما قال السيد علي عثمان فان بنود نيفاشا تنطبق علي الشرق, ولكن ما منحتنا له نيفاشا باليمين جاءت الشريرة لتنتزعه من الشمال.
فقد تم الاعتراف في نيفاشا وابوجا بما اسمي بالمناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الاقل حظا في النمو، فقرر ان يفرد لها نصيب اكبر في الموازنة العامة وفي موازنة التنمية.
واسست قاعدة لتقسيم الموارد المالية على اسس تراعي حالة الحرب والتخلف، والكثافة السكانية، والعبء الضريبي، وما يضخه الاقليم من اموال ومساحة الرقعة الارضية، والالتزامات المالية القائمة.
واتفق في نيفاشا وابوجا علي اعادة التأهيل واعمار وبناء البنية التحتية الاساسية العمرانية والاجتماعية في سودان ما بعد النزاع كي تصل المناطق المتخلفة الى نفس معدل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومستوى الخدمة العامة في الولايات الشمالية. قالوا ان الوحدة لابد ان تكون جذابة وضخوا الاموال.
يجب ان يحصل المواطنون الذين لهم الملكية في الارض على حق التعويض العادل عن الارض التي تم الاستيلاء عليها لغرض التنمية او استخراج البترول والموارد الطبيعية الاخرى, على ان يكون لهم الحق في المشاركة من خلال سلطة الولاية اوالاقليم في مفاوضات التعاقد على استغلال تلك الموارد التي في باطن ارضهم.
في نيفاشا تم الاتفاق علي انشاء نظام مصرفي مزدوج واصدار عمله جديدة للجنوب, اين نحن من هذا في الشرق!. .
في ابوجا تم الاعتراف بالاسس التي قامت عليها الحيازات القبلية التقليدية التاريخية للاراضي وبالقوانين العرفية والممارسات التقليدية, وبتخصيص نسب من عائد النفط والمعادن وباحقية الولايات التي تنتج البترول والمعادن في التفاوض بشان هذه الموارد. كما تم الاتفاق علي انشاء مفوضية للاراضي للنظر في الحقوق التقليدية والتاريخية المتعلقة بالارض ومراجعة عمليات ادارة واستغلال الاراضي.
كما تم الاتفاق علي برامج عاجلة لفائدة النازحين وللمتضررين من الحرب وتقديم التعويضات..
اين الشرق من كل هذا؟؟ أين كان المفاوضون؟! هل كانوا يدرون بما تم في نيفاشا وابوجا؟
أشك في ذلك.
لكن بكل بساطة مفاوضي الشرق وضعوا كل ما تحقق في نيفاشا وابوجا جانبا وتشبثوا بوعود الانقاذ, وخاصة بعد تلك الوسوسة المريبة التي تمت في القصر الكبير بعيدا عن أعين المشاكسين.
ماذا همس الذئب في اذن فاطمة وقيل لها لا تتحدثي به؟؟
حضرت فاطمة للمقر الذي يسكن فيه المشاكسون..
فهل تسكت عن الكلام الغير مباح؟.
لنواصل..ماذا قالت ..
كونوا معها.
....
No comments:
Post a Comment