الفــــلاشا والبــــجا والطــــوارق بيــنهم ترابــــط اثــــني قـــــوي
البجــــــا لن يفتحــــوا مكــــتبا
FALASHA, BEJA AND TUAREG ETHNICITY
د. ابومحـــمـد ابوامــــنة
تدور افكار بين بعض ابناء الشرق للجوء الي مكان ما يستطيعون فيه العمل بحرية تامة لتهيئة انفسهم لمواجهة النظام خاصة بعد ان تاهت تطلعاتهم في اتفاق اسمرة وذلك لتحقيق حياة كريمة لانسان الشرق دون وضع قيود ودون املاء, فيستطيعون من هناك مناشدة العالم وحثه لمنساندتهم لقضيتهم العادلة.
يقول الكاتب طه محمد بامكار من ولاية البحر الأحمر في تعليق له لفتح مكتب لحركة عبدالواحد في اسرائيل: فتح مكتب في إسرائيل نتيجة وليس سبب، وحتى يكون الموضوع شفافا ومنطقيا يجب النظر إلي جذور المشكلة وأسبابها الحقيقية وما آلت إليه الأوضاع في دارفور وليس فقط مناقشة النتائج لنصدر أحكاما من منظور حكومي بحت.
يؤكد طه بامكار في مقاله الرائع ان فتح المكتب في اسرائل له دوافع غير تلك التي تحاول السلطة ايهامنا بها. لقد تسرع الكثيرون من السياسيين لادانة خطوة عبدالواحد قبل دراسة الاسباب التي دفعته دفعا لهذه الخطوة. لقد تعرض الشعب قي دار فور لابادة بشرية غير مسبوقة في تاريخ البلد, تحرق القري وتدمر , تغتصب النساء والقاصرات, تدك المزارع وتخرب, حتي معسكرات اللاجئين لم تسلم من اعتداءاتهم الوحشية, واحزابنا تسكت وترقب ولكنها لا تحرك ساكنا والاحداث والجرائم تتصاعد يوما بعد يوم, وطائرات النظام تواصل يوميا مهمتها لابادة الحياة في دارفور وامام مرأي ومسمع الامم المتحدة وقواتها الكامنة هناك وجمود المجتمع السياسي السوداني.
ادي هذا العدوان الوحشي المتواصل الي تشريد الملايين من اهل دارفور, ففروا في كل الاتجاهات والي كل بلدان العالم. واضطر البعض الي اللجوء الي اسرائيل حتي يسلموا من الدمار والموت المحقق. لقد اجبرت سياسة النظام الوحشية اهل دارفور للفرار والبحث عن المجأ المناسب, بعد ان صبروا سنة وراء سنة والعدوان والوحشية والتدمير والاغتصاب يتواصل.
يقول طه بامكار: . فقد دفع أو أجبر عبد الواحد ليفتح مكتبا في إسرائيل طلبا للعدالة الخارجية واخشي أن يتردد آخرون لمثل هذا التصرف بسبب ظلم أولي القربي في السودان الوطن الواحد الذي يمكن أن يسع الجميع.
ماذا فعلت قيادات الاحزاب لايقاف هذا الاجرام الذي يتواصل عبر السنين قبل ان تسعي لادانة عبدالواحد؟!
انها سنة الحياة ان تسعي لحماية نفسك بكل الوسائل المتاحة بما فيها اللجوء الي الشيطان. لقد تعرض ابناء دارفور لكثير من المضايقات والاذي والقتل في عدد من البلدان, فلماذا لا يلجأوون الي بلد يظنون انه اكثر امانا لهم؟
لقد عرفت البشرية اللجوء والنزوح من مكان لاخر منذ فجر التاريخ لاسباب كثيرة منها الطبيعي كانفجار البركانات والجفاف والتصحر والفيضانات ومنها التي يصنعها الانسان كالحروب والملاحقات الاثنية والمحاربة في الارزاق والاضطهاد والابادة.
يكفي ان نذكر بان اصحاب وال الرسول صلعم اضطروا الي الهجرة للحبشة عندما تعرضوا للتعذيب والملاحقات المتواصلة, ولم تكن الحبشة بلدا مسلما, ولولا الهجرات والتهجير لانحصر الجنس البشري في افريقيا لوحدها ولبقيت باقي القارات خالية منهم, ولما عرفنا امريكا او استراليا او نيوزلندا, ولما تمت الهجرات العربية للسودان. لقد عرفت البشرية الهجرات منذ القدم وستتواصل طالما الاسباب الداعية لها موجودة. انها سنة الحياة.
في عهد الانقاذ هاجر ملايين من السودانيين الي مختلف انحاء العالم منهم العمال المهرة, الاطباء, المهندسين, الزراعيين, والاقتصاديين, ولم تكن دولة الانقاذ تهتم بشأنهم, اما عندما اضطر ابناء الفور الي الللجوء الي اسرائيل قامت الدنيا ولم تقعد. ان سلطة الانقاذ تسعي لسحقهم في بلدهم, لا ان يهاجروا, فبالامس صرح وزير دفاع النظام ان طائراته ستضرب اي منطقة تدعي انها محررة. لا يهمه ان كان هناك عجزة او اطفال او نساء او مرضي لا يستطيعون الحركة, او قل حتي حيوانات, كل هذا اصبح هدفا استراتيجبا لقوات النظام لتقوم بابادته.
المجتمع يسكت عن هذه الاعترافات ويسكت عن الابادة التي تجري في دارفور. فلماذا لا ينجو اهل دارفور بجلدهم الي اماكن يتوفر فيها السلام والطمأنينة بالنسبة لهم؟
ان الوضع الاستراتيجي للبحر الاحمر ولشرق السودان وموارده الطبيعية الضخمة كان مصدر اهتمام لكثير من الدول منذ فجر التاريخ وحتي الان كالفينقيين والفرس والفراعنة والروم واليونانيين والعرب والاتراك وحديثا كل الدول الاستعمارية. تزداد اهمية الوضع الاستراتيجي يوما بعد يوم لقربه من اماكن تصدير البترول ولكونه شريان حياة للدول المستهلكة له, وتزيد من اهميته الصراعات السياسية والمواجهات التي تدور حاليا في الشرق الاوسط, وجواره لكثير من الدول ذات الاهمية الاستراتيجية والاقتصادية والمهددة بانفجارات شعبية واسعة طال الزمن او قصر. ان البحر الاحمر كان ولا زال نقطة تنافس بين الدول الكبري. واسرائيل كدولة مطلة علي البحر الاحمر لها اهتماماتها البعيدة المدي.
ان ابناء الشرق حملوا السلاح بالامس يطلبون حل مشاكلهم المزمنة, فأتت الانقاذ من اسمرة بورقة سمتها اتفاقية للسلام تاهت فيها كل تطلعات اهل الشرق في حياة كريمة كما يقول الكاتب المعروف احمد اودين, قننت فيها الاستغلال البشع لموارد الشرق واذلال وابعاد أهل عن مراكز السلطة مركزيا واقليميا, غير مناصب من اجل الديكور والرشوة والاسترخاء.
ان مشاكل الشرق لم تجد الحل المناسب حتي الان مما يستدعي مواصلة النضال من اجل تحقيقها, وطلب الدعم والتضامن من كافة الخيريين محليا واقليميا ودوليا.
يقول طه بامكار: عندما ينعـدم تحقيق العدالة من الداخل يلجأ الناس الي عدالة الخارج، نرجو أن لا تكون تصرفات الساسة في عهد الخصام الفاجر الغير مبرر سببا لطلب عدالة الخارج في شرق السودان وغربه.
ان تلميحات طه بامكار واضحة المعالم. ان لم يجد البجا حلا مرضيا لمشاكلهم فانهم سيلجأون للخارج. أما اين هذا الخارج فتتشابك الاراء وتتصارع. الا ان الدلائل تشير الي انهم لن يذهبوا الي اسرائيل, بالرغم من وجود اخوة جنيين لهم هناك. البجا لن يفتحوا مكتبا هناك ولكنهم يتمنون ان تحل مشاكلهم علي نهج نيفاشا, لا اقل ولا اكثر, فنيفاشا جاءت لجميع السودان وليس الجنوب فقط. ونتمني الا تدفع تصرفات النظام الحمقاء ابناء الشرق لطلب العدالة في الخارج.
ان البجا ينتمون اثنيا لما يسمي بالمجموعة الكوشية ابناء حام بن نوح التي تستوطن مناطق واسعة من شمال وشمال شرق وشرق واواسط وغرب افريقيا وتضم هذه المجموعة الي جانب البجا العديد من الاجناس كالبربر, الهوسا, والبرنو, والطوارق, الفلاشا وقبائل حبشية اخري, الصومال, والماساي, قبائل جنوب وشمال السودان, تشاد. ولا زالت كثير من مفردات اللغة الكوشية مشتركة بينهم حتي يومنا هذا. الا ان اللغة البجاوية هي اكثرها احتفاظا بكوشيتها واصالتها كما اجمع علماء اللغات. وهي الان مهددة بالاندثار التام مما يفقد العالم واحدة من اقدم واعرق لغاته.
لقد توصل علماء الجينات حديثا لاكتشاف مذهل وهو ان الاقرب من هذه المجموعات للبجا هي قبائل الفلاشا من ناحية الشرق والطوارق من ناحية الغرب. من المعروف ان الديانة اليهودية كانت موجودة في غرب وشمال افريقيا وخاصة في مناطق التي تسكنها مجموعات الطوارق والبربر ولا تزال كثيرا من الطقوس والعادات لبني اسرائيل تمارس في هذه المناطق. الفلاشا معروف انها تدين باليهودية الا ان البجا من بين هذه الاثنيات المتقارية لم يعرف عنهم اعتناق لهذه الديانة.
المذهل اكثر في هذا الاكتشاف هو التطابق الشبه الكامل لجينات قبائل البجا مع جينات قبائل الطوارق, مما لا يدع مجالا للشك بانهم اخوة عاشوا معا علي ارض واحدة. المعروف ان البجا والطوارق هم من اقدم القبائل المستوطنة كل في منطقته منذ اكثر من 4000 عام. ولا احد يدري كيف ومتي انفصلوا عن بعضهم البعض, مما يفتح المجال واسعا امام المزيد من البحث والتنقيب.
لقد وجد بعض الباحثين حديثا اثارا قديمة تشبه معدات يستخدمها بجا اليوم في حفريات بالصحراء غرب النيل. هنا يبرز السؤال لو كان البجا والطوارق يعيشون معا علي ارض واحدة ثم لاسباب مجهولة تفرقوا, جزء منهم ذهب في اتجاه الشرق والاخر اتجاه الغرب فلابد ان تكون هذه الارض حول النيل شرقه وغربه كما تدل الحفريات. لكن لابد من اجراء المزيد من البحث في هذا المجال.
الغريب في هذه الدراسات انها تثبت ان الجينات التي تربط البجا بالفلاشا وبالطوارق خاصة هي اقوي من تلك التي تربطهم بسكان شمال السودان.
لقد توصل العلم الحديث ان لقبائل البجا اخوة كثيرون وللاخوة يلجأ الانسان عند المحن. والمحن التي يعاني منها البجا تتفاقم كل يوم والمعانات تتراكم والمجاعات تتوالي والتهميش والاستغلال ومص الدماء يتواصل, ونتمني الا تدفع سياسة النظام الحمقاء البجا لاتخاذ خطوات حمقاء تضر بالبلد.
لقد ترك الفلاشا بالامس وطنهم وارض اجدادهم وممالكهم وجذورهم العميقة الممتدة عبر التاريخ ليعيشوا في دولة اسرائيل بعد تعرضهم للمعانات المتراكمة والمجاعات المتتوالية والتهميش والاضطهاد.
ان اتفاق اسمرة لم يحل مشكلة الشرق وعلي الانقاذ ان تجلس مع المخلصين من ابناء الشرق وتسعي لحل يرضي اهل الشرق قبل فوات الاوان.