وجـدان مـتواصل بين شــعبين
فقـــدنا عمــــلاقين
نصر اكيد وســودان جـــديد
د. أبومحـــمد أبوامــــــنة
المناضل محمد سعيد ناود شارك الشعبين في نضالهما ضد الطغاة والمستعمرين, وهاهو ينظر لتاريخه الناصع, والحافل بالاحداث والذي استمر نصف القرن يكتب ويسجل محللا الاحداث بطرقته العلمية حتي تستفيد منها الاجيال القادمة, له التقدير لما يقوم به ويتمني المرء ان يستمر عطاؤه. هو لايتناول الماضي البعيد بل الحاضر مسلطا عليه قلمه في الكثير مما يكتب ويتناول.
فرح المناضل محمد سعيد لاتفاق اسمرا, كما فعل الكثيرون من ابناء الشعبين, واعتقدوا بان مشكلة شرق السودان قد تم طيها, ولكن كما ظهر في ما بعد فان تلك الاتفاقية لم تحقق من مطالب شعبنا شيئا, قوبلت بفتور من قبل جماهيرنا ما بعده فتور.قٌاطعتها جماهير البجا واستقبلت قيادتها الاسمراوية ببرود شديد حين نزلت في مطار الخرطوم. اضاعت تطلعاتنا في وضع ديموقراطي حر, نظام الانقاذ الدكتاتوري لا زال متواصلا, اضاعت تصوراتنا عن الاقليم الواحد الذي يحكمه ابناؤه, اضاعت فرصة مشاركتنا في السلطة المركزية, كما فعلت الحركات المسلحة الاخري.
صاحب اتفاق اسمرة نعرة عنصرية لم نشهدها من قبل, زرعوا بيننا بذور التشتت والمواجهات, هاهو التنظيم الشامخ يتعرض للانشقاق.
احضرت ارتريا شخصيات لم تكن قط معروفة في الساحة السياسية السودانية, ولا في ميادين القتال, وقالت هؤلاء يمثلون الشرق. هذه الشخصيات لم تكن معروفة لجماهير الشرق, ولا بانتمائها للسودان, شخصيات عرفت بالاستيلاء علي اموال الغير وبخيانة الامانة, وبالانحرافات والانتماء للاجهزة الامنية بل بالانتماء للمؤتمر الوطني عديل كده!
مع تداعيات ظلال الاتفاق المشئوم فقدنا فجأة عملاقين بارزين.
أحدها هو المناضل ابوموسي هايكش, من مؤسسي مؤتمر البجا عام 1958 واول سكرتير له, وكان يجلس الي جانب د. طه بلية وعمر ابوامنة في الجلسة الافتتاحية, عمل بنشاط فائق لانجاح ذلك المؤتمر وشارك بشكل فعال في صياغة القرارات التي خرج بها, رغم انه اغترب للسعودية لفترة طويلة, الا انه كان يتابع نشاط التنظيم باستمرار ويدلي بالتوجيه والنصح كلما طلب منه ذلك.
عندما تقدم به العمر حضر لموطنه بورتسودان, ولكنه لم يركن للراحات, بل واصل العطاء واضعا خدمته تحت تصرف الاجيال الصاعدة. عند اندلاع الكفاح المسلح كان هو من اول المؤيدين وكان يتابع الانتصارات والمعارك باهتمام بالغ.
عندما اجبرت جماهير البجا النظام للجلوس للتفاوض, اعلن تأييده له ونصح بالتمسك بتلك الاهداف التي صاغها البجا عبر التاريخ والا يتنازلوا عنها مهما كانت الظروف. كان يتابع تفاصيل المداولات صباحا ومساء. وكان اصدقاؤه يخبرونه فقط بالايجابيات حتي لا تنهار معنوياته.
ذات مرة تمكن منه المرض ولزم السرير وسارت تنتابه غيبوبة علي فترات متقاربة, لم يقو علي المتابعة اليومية. وذات يوم وبينما هو في حالة وعي حضر رفيق دربه حمد اودين وهمس في اذنه, فغضب ابوموسي وصار يصرخ بانفعال شديد: لايمكن .. لا يمكن .. لا يمكن ..
ودخل في غيبوبة لم يفق منها قط.
ودعته جماهير غفيرة الي مثواه الاخير.
عندما سئل اودين فيما بعد عنما قاله ذكر بانه همس في اذنه يان تطلعات البجا قد تاهت في تلك الهايكش, ففارق الزعيم الحياة.
هل فعلتها الهايكش؟!
انه كان مخلصا لشعبه, وفيا لقضيته, ودافع عنها طيلة حياته. لم يكن يرضي بالهايكش.
بورتسودان مدينته قذفت بكوكبة مناضلين عبر التاريخ, عرفت ملاسي وحمد ادم وعادلي ثوار 1924 وبامكار عبدالله, حمد ادم, وهاشم محمد سعد وعبد الجواد ومحمد احمد النيل, ابطال مقاومة الجمعية التشريعية, بل قدمت العشرات من الشهداء حين اطلق المستعمر الرصاص علي الصدور.
بورتسودان ظلت وستواصل بان تكون منارة للنضال البجاوي.
العملاق الاخر الذي فقدناه هو عمر محمد ابوامنة. كان عمر من اهالي مدينة طوكر, نشأ وترعرع فيها. كان من اول مؤيدي الثورة الارترية, واندفع الي صفوفها وحمل السلاح من اجل تحرير الشقيقة وشارك في كثير من المواجهات, وساعد في توفير الملاذ للثوار في منطقة دولابياي. بعد انقلاب الانقاذ المشئوم كان نصيبه الفصل من العمل والتشريد.
كان من اوائل المنادين لحمل السلاح, شارك في تكوين الجناح المسلح لمؤتمر البجا وذهب الي ارتريا واشترك في العديد من المعارك. كان عظيم الثقة بالقيادة الارترية ولا ينتابه ادي شك بانها ستقف مع النضال البجاوي حتي يتحقق النصر.
كان يؤمن بالعمل الجماهيري بالداخل, فحضر وشارك في كل الاجتماعات التي كانت تتم في الداخل تحت ظروف المراقبة الدقيقة وقوانين الطوارئ والارهاب والتصفيات الجسدية, وكان يشكل جسرا بين القيادة في الداخل والقيادة في الخارج.
كان من رفاق دربه في طوكر عبدالله محمد احمد, عبدالله موسي, ابراهيم التونسي, سليمان اونور وكوكبة من الشباب. اخلاصه وتفانيه من اجل القضية لا يوصف, ايمانه بالرفاق في ارتريا والجبهة الشعبية للعدالة والديموقراطية وصل حد العبادة. حتي عندما تتعرض علاقة تنظيم مؤتمر البجا بالجبهة الشعبية للنقد داخل الاجتماعات كان يندفع ويدافع ويهتف هتافات تشق عنان السماء: عاشت الجبهة الشعبية للعدالة والتنمية .. عاش أسياس افورقي .. عاشت الشقيقة ارتريا ..
كان عظيم الثقة بان القيادة الارترية ستصل بقضية البجا الي بر الامان.
ولكــن ..
ذات يوم جاءه الخبر اليقين, تطلعات البجا تاهت, عناصر غريبة استولت علي ملف القضية, ظهر الانتهازيون والمتسلقون والاجانب, ابطال الميدان والتاريخ ابعدوا, المشبوهون صاروا القيادة, هم سيتولون المناصب!!
فجأة انهار العملاق وسقط مغشيا عليه, ويقال ان اخر كلمتين خرجت من فمه كانت عاش أفورقي .. .
شيعته جماهير غفيرة الي مثواه الاخير.
مات وهو في عز العطاء, وكان يحلم بالاشتراك في بناء المستقبل السعيد ودولة العدالة والمساواة والغد المشرق.
ولكن هل فعلتها الهايكش مرة اخري؟!!
رغم حبه لموطنه طوكر احب عمر محمد ابوامنة كذلك مدينة بربر, موطن اهله من ناحية الوالدة.
طوكر في القرن الماضي قذفت بالمناضلين عبد القادر اوكير, وسيلمان كشه مؤسسي جمغية اللواء الابيض وثوار حركة 1924 وبمجذوب ابوعلي, واونور سلبمان واوهاج كوبيري والصادق احمد بدوي والعشرات غيرهم من ابطال الحركة الوطنية المكافحة ضد الاستعمار.
شعب البجا لم يفرح لتلك الاتفاقية المشئومة. لقد كانت ثقة القيادات البجاوية في الجبهة الشعبية عظيمة, وبانها ستقف الي جانب الحق, وستوصل القضية الي بر الامان, ولم ينتابهم ادني شك بان تكون هناك مساومات بين النظامين, ولذلك رضوا بقلب مفتوح بتحويل الملف من ليبيا الي ارتريا. لكن الاتفاق جاء مخيبا للامال لابعد الحدود.
بصرف النظر عن رأي القيادة الارترية الخاص في الاتفاقية, الشيئ الذي يجب ان تدرسه القيادة هو ان جماهير البجا ترفض هذا الاتفاق. البجا يرفضون الاتفاق. هذه الحقيقة تفرض نفسها.
هذه الحقيقة علي ارض الواقع يجب ان تتعامل معها القيادة الارترية. لا يستطيع اي كان ان ينكر علي ارتريا ان تضع مصلحة شعبها فوق كل شيئ. لكن يجب الا تنسي الوجدان الازلي بين الشعبين, والعلاقات التاريخية, وسنين النضال الطويل من اجل التحربر, وسنين النضال من اجل دك نظام الانقاذ الاجرامي والاهداف المشتركة. لقد سالت الدماء في الشرق من اجل القضية. البجا لن ينهاروا ولن ينكسروا, ومع هذه الحقيقة يجب ان تتعامل الجارة.
سيظل شباب البجا يناضل من اجل الغد المشرق.
دماء لبسوي والرفاق لن تذهب هدرا.
سـيظل ابناؤنا يهــتفون: بجــا حــدبد ووضع جـــديد .. نصر اكيد وســودان جـــديد
No comments:
Post a Comment