ذكـــريات نــاود وقــضايا البجـــا
ثـــورة عــارمة يشــعلها الجــياع المســتعبدون
د. ابومحــــمد ابوامـــــنة
لا زال المناضل محمد سعيد ناود يتحفنا بثمرات ذكرياته عن تأسيس مؤتمر البجا. تكتسب هذه الذكريات اهمية خاصة اذ تصدر من احد قدامي المحاربين الذين وضعوا قضية الشعب نصب اعينهم مسلحين بنظرية علمية تنير لهم الطريق, ومن ناحية ثانية كونها تصدر من شخصية قيادية عاصرت الاحداث وشاركت بشكل فعال في صناعتها, وفوق ذلك تكتسب هذه الذكريات اهميتها كونها تصدر من شخص قيادي يستطيع اليوم ان يتذكر ويكتب ويدون تلك الاحداث التاريخية.
اغلب الشخصيات القيادية التي عاصرت تلك الفترة واراها الثري, نذكر منهم الشيخ محمد صالح ضرار, د.طه بلية, ابوموسي, محمد بدري, محمددين اسماعيل, محمدين ماقيت, علي اونور, كنتباي, علي المليك, محمد الامين ترك, عمر ابوامنة, محمد كرار كجر والذي نبعت منه فكرة تكوين مؤتمر البجا, موسي محمد نورمنيناي, بامكار عبدالله, محجوب باشري, د. محمد احمد, هاشم محمد سعد, محمد ادم, محمد هدلول, مصطفي مختار, حسن مختار, ادريس محمد نور, حامد كنتيباي, الريس والعشرات غيرهم.
يفتخر المناضل ناود بانضمامه للحزب الشيوعي السوداني وبعلاقته القوية به حتي بعد ان تركه ليتفرغ للنشاط السياسي الارتري وتكوين جبهة التحرير. لم يكن ناود هو اليساري الوحيد في قيادة المؤتمر, بل ان الكوكبة الشبابية التي كانت تعمل من داخله كالنحل كانت من عناصر اليسار, نذكر علي سبيل المثال د.طه, علي اونور عبدالله, اكسجين, محمد بدري, محمددين اسماعيل, محمدين ماقيت, هدلول, محمد ادم, نايلاي, المليك والعشرات غيرهم اذ كانوا يتمتعون بوعي سياسي متقدم ودراية بتنظيمات العمل الجماهيري السياسي والمطلبي. فلاشك كان لهم الدور الفعال لنجاح المؤتمر.
يقول الاستاذ ناود عنهم:
وهذه المجموعة لم تلتفت لمصالحها الاجتماعية بل كانوا يختلطون بأهلهم ويعيشون معهم ويتحسسون همومهم واحتياجاتهم وكانت في هذه ميزة مثقفي الشرق دون تمييز.
نعم مثقفونا تمتعوا بتلك الميزة, كمثال أراك ذكرت الاستاذ علي اونور, فقد كان من الشخصيات الفذة, كان من اوائل خريجي الجامعات من ابناء البجا واشتهر كاميز مدرسي اللغة الانجليزية في المدارس الثانوية. كان من زملائه في مصر عبد الخالق محجوب والتيجاني الطيب واحمد سليمان, عوص عبد الرازق والوسيلة. تجرع هو ايضا الفكر الماركسي وصار وفيا له حتي مماتته رغم السجون والاعتقالات المتكررة والتشريد والملاحقات.
اتذكر يا استاذنا الجليل؟ علي اونور مثلكم احب الناس البسطاء, الرعاة, والمزاورية, العاطلين, وعمال اليومية وحياتهم البسيطة, كان يجالسهم علي البرش ويشاركهم الجبنة والسكناب, الملبس والمأكل, كان يقول لهم كل يوم وببساطة متناهية ان سبب تعاستهم تكمن في الاستغلال الراسمالي وفي التهميش, ويناشدهم بالوحدة والتكاتف وانهم بسواعدهم سيبنون الغد المشرق. وحين تمر علي البرش كان لا يمكن ان تفرز الاستاذ من عامل اليومية او المزوري او العاطل. لقد انصهر وسطهم. انه نوع فريد من المثقفين.
يذكر الاستاذ ناود قصيدة د. جرتلي التي القاها في ذلك المؤتمر التي ذكر فيها خيرات الشرق الوافرة من ثروات بحرية, ومعادن ومشاريع زراعية ومياه مهدرة ولكنه يشكو الاهمال والتجويع الذي يتعرض له البجا ويقول ان في الخرطوم قوم رفهوا, لم يعرفوا العري, والحلق الصدي والعطش ويقول ان الدنيا ضاقت علي البجا وانهم يسيرون للفناء المحتوم ولكنه يحذر سلطة الخرطوم من ثورة عارمة يشعلهاالجياع المستعبدون.
أتذكر يا استاذ؟ المؤتمر الاول وضح الاسس الاساسية لمشكلة الشرق, ووضع وجهة نظره لوضع حل لمعاناة البجا. طالب بالثروة, والسلطة وحق العمل, بالتعليم وتعميم الدواء والارتقاء بصحة البيئة, وتوفير المياه, والعناية بالمشريع الزراعية, وبالتنمية الريفية ووضع حل للاهمال والتهميش.
ســيدي
ان البجا يفتخرون بعلاقاتهم النضالية التاريخية مع الشعب الارتري, هم نفس الناس وقد قسمتهم الحدود التي وضعها المستعمر. لقد وضعوا ايد علي ايد عبر التاريخ لملاحقة المستعمرين والمستبدين, وحققوا معا انجازات باهرة, وعلي رأسها نجاح الثورة الارترية وقيام الدولة الفتية.
انت فـرحت لحدثين هامين تكوين دولة ارتريا وتوقيع اتفاقية الشرق.
اسمح لي يا استاذي ان اختلف معك في الرأي في هذه النقطة. البجا اول من فرح لتكوين دولة ارتريا, وكيف ولا وهم يعيشون فيها, وهم ساندوا الكفاح المسلح بل وحملوا السلاح الي جانب اشقائهم وقدموا الشهداء, ووفروا الماوي والملاذ الامن للمقاتلين, وكان الجرحي منهم يجدون العناية والتمريض من الامهات السودانيات.
ولكن ..
توقيع اتفاقية السلام بين جبهة الشرق والحكومة السودانية في العاصمة اسمرا كان حدثا كبيرا ولا شك في ذلك. لكن اسمح لي ان اقول بان تلك الاتفاقية لم ترقي لتطلعات البجا, فقد اعتبرها القادة البجا مجرد هايكش, وكما تعلم هايكش تـعني غـش, فلم تصل لمستوي الاتفاقيات التي وقعتها سلطة الخرطوم الاجرامية مع الحركات المحاربة الاخري. ابقت علي النظام الدكتاتوري, تركت المناصب الوزارية لرجال الانقاذ ورضيت ب 600 مليون دولار فقط مقابل التنازل عن ثروات الشرق الضخمة لابد الابدين لسلطة الخرطوم؟
هل تدري, ســيدي, بان الاقليم الشرقي يورد سنويا ما يقارب ال600 مليون دولار لسلطة الخرطوم؟ هل يعقل ان تتنازل عن ثروات لا حد لها مقابل هذا المبلغ التافهة؟ هل تدري بان كميات هائلة من البترول والغاز الطبيعي اكتشفت بالشرق؟ وان شركات الاستثمار هرعت الي هناك؟
اتفاقية الهايكش اعطيت مناصب لقيادة جبهة الشرق في بعض المواقع, حتي هذه ظلت دون مواصفات, انها فقط ديكوريات. وماذا تنفع المناصب والوضع الدكتاتوري جاثم علي الصدور؟ وماذا تنفع المناصب والسل والعطش والتجويع والتخلف والمجاعات تفتك بانسان الشرق؟ وما تنفع المناصب ونهب خيرات الشرق يتواصل؟ جيلكم ركل المناصب من اجل بسطاء الناس, وجيلنا ركل تطلعاتنا من اجل المناصب الهائفة. هذا جيل وكان ذلك جيل!
ســيدي
كما تنبأ الشاعر البجاوي محمد عثمان جرتلي:
ستهب يوما ثورة عارمة يشعلهاالجياع المستعبدون.
اتفاقية اسمرة جاءت مخيبة لكل امال اهل الشرق. البجا سيواصلون النضال حتي يتحقق النصر ويدك النظام الدكتاتوري البشع, ويرفرف علم الرخاء والسعادة والمساواة في سماء سودان جــديد.
No comments:
Post a Comment