العنصــــرية
من مقال
د. حامد البشير ابراهيم بسودنيز اونلاين
إنّ العنصرية قد صاغتها وشكلتها عوامل وأوضاع اقتصادية محددة لكن التفاوض حولها
غالباً ما يتم عبر مناظير الثقافة والدين والأدب والعلوم والإعلام. إنّ وجود شخصين أو ثلاثة من المهمشين في أجهزة الإعلام القومية لا يعدو أن يكون ديكورا ومن نوع اللعب على الدقون. إنها من نوع الإجراءات التي تعالج التمظهرات والأعراض دون مشقة وعناء الغوص في أعماق وجذور المشكل وهو المشاركة الفاعلة في أجهزة الدولة وفي تحديد توجهاتها واستراتيجياتها وبرامجها وأهدافها القريبة والبعيدة, ومحاولة معالجة الأسباب الجذرية التي تقف خلف التباينات في فرص الحياة بين الكيانات الإثنية والجهوية. دون الخوض في مثل هكذا تفاصيل فإننا لا نقدم عربوناً للوحدة ولاصداقاً للوئام الاجتماعي-الاقتصادي والذي هو لحمة وسداة الوئام والاستقرار السياسي. إنّ محاولات احداث الوئام الاجتماعي و"العدل" والاستقرار بالبندقية وبالقوانين المكبلة للحريات وكل ترتيبات وإجراءات القهر ما هي إلا وضع للعربة أمام الحصان وأيضاً تنم عن جهل عميق بصيرورات وحراك المجتمعات الاجتماعي والسياسي في الماضي وفي الحاضر وفي كل الأزمان. إذن لا بد من إبتداع وصفة لإستقرار الوطن وللملمة أطرافه التي أضحت تتآكل من جزام السياسة (فاقدة الوعي والضمير) والتي قرر قادتها أن يتجهوا بالمركب القومي نحو العنصرية والجهوية والقبلية ناسفين إرثاً تركه الأجداد وذوي الضمائر المتقدة من القادة القوميين من قبل مئات السنين.
والوصفة العلاجية على بساطتها وقسوتها تستدعى ربط الواقع الاقتصادي بالصيرورات الاجتماعية والسياسية. ان الذين أنتجتهم سياسات الدولة "الإسلامية" من فقراء الريف والحضر وجيوش المتسولين وضحايا الجريمة الاجتماعية وشريحة الشباب المحبط وملايين النازحين وغيرهم من الذين تم إقصاءهم لا بد من شمولهم وضمهم وإعادة إدماجهم في دورة الاجتماع ودورة الاقتصاد ودورة السياسة – وكلها دوائر متداخلة ومترابطة ترابطاً عضوياً وجدلياً على مستوى الأسباب والنتائج.
إنّ جيوش الفقراء التي ألقينا بها في أطراف المدن وأحزمة الفقر هي نتاج لسياسات الدولة التي أشعلت حولهم الريف (ومن كل الإتجاهات). ونشرت فيهم الدولة فيروس الانفلات الأمنى والمليشيات المبررة سياسياً وتحت مختلف المسميات حتى تلك التي وضع عليها مسوح القداسة. والدولة هي التي نشرت في أوساطهم السلاح (بدلاً عن التعليم) حيث أن ملايين القطع النارية الآن تتجول في بوادي السودان المختلفة. وباركت الدولة جماعات "النهب المسلح" ضمناً أو صراحة وبذلك حولت كل الريف (الغربي خاصة) إلى جحيم لايطاق كما حدث في دارفور وعلى طوال حزام التماس.
No comments:
Post a Comment