Thursday, August 21, 2014

طوكر تحاصرها السيول

عـــــــــــــــــــاجل

الأنباء الواردة من طوكر تفيد بأن الطريق أغلق من جديد وأن الجسر الذي تم سده قد جرفته المـــياه مما يضعنا أمام كــــارثه أقوي من سابقتها ، نسأل الله اللطف بعباده الأتقياء

Wednesday, October 10, 2012



 


حتي لاننسي...


الجوع والموت في جبال ووديان البحرالأحمر..!!

جبرالله عمر الأمين

http://www.sudaneseonline.com/arabic/index.php/
SudaneseOnline: Wednesday, October 10, 2012 سودانيزاونلاين   


عام 1984 ضربت المجاعة معظم دول أفريقيا في منطقة حزام السافنا من الصومال شرقاً الي سواحل المحيط الاطلسي غرباً. وشاهد العالم على  قنوات التلفزة وفي صور وتقارير وكالات الانباء العالمية النازحين من أثيوبيا واريتريا. هياكل عظمية تعبر الحدود الي داخل السودان فرارا من الجوع الذي كان يلاحقهم ويفتك بهم علي الطرقات فيهب المانحون لارسال قوافل الاغاثة عبرميناء بورتسودان الى معسكرات اللاجئين التي اقيمت في شرق السودان.
وكانت المجاعة أيضا تضرب أجزاء كبيرة من السودان في غربه وفي شرقه. ونقلت وسائل الإعلام الغربية تقارير عن أناس يأكلون ورق الشجر ويحفرون جحور النمل في غرب السودان بحثا عن شيء يسد رمقهم. وكان الناس يهربون في كل اتجاه ويقصدون المدن وكان بعضهم يموت في قطار نيالا ثم تدلى الجثث من فوق اسطح عربات القطار ومن داخلها فتدفن في محطات السكة الحديد كيفما اتفق.
نزح آلاف الناس من كردفان ودارفور الي المدن الكبرى. ووصل بعضهم الي أطراف العاصمة الخرطوم وفي معسكر المويلح في ضواحي أمدرمان اتيح لمعظم السودانيين ليعرفوا ولاول مرة عن طريق الإتصال المباشر مع اخوانهم النازحين حجم الكارثة وحقيقة مايحدث هناك فقدموا لهم مايستطيعون.
وبينما وصلت منظمات الإغاثة العالمية لتمد يد العون ظل الوضع في شرق السودان طي الكتمان بعيداً عن اعين معظم السودانيين ووسائل الاعلام العالمية. فالبدو الرحل وراء الجبال وحول وادي طوكر وعلى مقربة من الحدود مع اريترتريا واثيوبيا الذين نزحوا باتجاه المدن ووصل بعضهم الي بورتسودان طاردتهم السلطات وحاولت إبعادهم عن أعين الناس. ولم يكن بإمكان أحد منهم الوصول الي العاصمة ووسائل الإعلام الأجنبية.
ولم ينتبه العالم بحكوماته ومنظماته وأجهزة اعلاميه  نتيجة الصدمة التى تلقاها وهو يقرأ ويشاهد ضحايا المجاعة في اثيوبيا واريتريا يعبرون الحدود الي داخل السودان بمعدلات مخيفة بلغت في بعض الاحصائيات الفي شخص في اليوم الواحد الا علي نطاق ضيق لما كان يحدث خلف مخيمات اللاجئين الارتريين والأثيوبيين بين سكان اقليم شرق السودان حيث يموت الذين وفروا المأوى لغيرهم في صمت بين جبال وشعاب ووديان البحر الاحمر وفي مسارب خور بركة ودلتا طوكر الي ساحل البحر الاحمر وعلى مقربة من طريق بورتسودان الخرطوم والحدود مع اريتريا.
ينزحون في جماعات يسير فيها من استطاعت راحلته وفي أحيان كثيرة قدماه على حمله الى أطراف التجمعات شبه الحضرية والى المدن ينتظرون من يمد لهم يد المساعدة ويموت على قارعة الطريق من خذلته راحلته وعجزت قدماه عن حمله وهويرى قوافل الاغاثة تمر امام عينيه قاصدة معسكرات اللاجئين الاثيوبين والارتريين.
وقد قال لي أحد خبراء اليونسيف التقيته في مخيم خارج بورتسودان انه شاهد أكثر من عشرين مجاعة. وقعت في مناطق متفرقة من العالم بينها المجاعة التي ضربت بيافرا (نيجريا 1967) وتلك التي حدثت في فيتنام أيام الحرب ولكنه لم بر مثل مايحدث في السودان.
تسربت أخبار المجاعة في شرق السودان عبر البحر الاحمر شرقا فبين سكان هذه المنطقة من تربطهم أواصر وعلاقات أسرية وثيقة مع سعوديين أمتدت لمئات السنين والبحر الاحمر أو بحر المالح كما كان يسميه اجدادنا وهو ايضا بحر القلزم كان ومازال جسر تواصل واتصال بين التجمعات السكانية على ضفتيه وقد التقيت في ضواحي طوكر رجلا يسوق خمس أو ست نياق لا أذكر قال لي انها ماتبقى له من قطيع نفق كله بسبب الجوع وأخبرني مرافقي بان أبناء عمومته سعوديون.
وعندما تحدثت اليه عرفت أنه ينتمى الى أسرة معروفة وميسورة الحال من رجال الاعمال السعوديين فسألته لماذا هو هنا ولايذهب الي هناك فقال لي : (ان آباءه سبق أن عاشوا حالة كهذه فجاءوا الي السودانيين فأكرموهم ورحبوا بهم وهو لن يتركهم اليوم عندما تغير الحال وانه على استعداد ليموت هو وأبناؤه معهم).
بدأ السعوديون يرسلون شحنات اغاثة تستقبلها جهات شعبية في بورتسودان وتقوم بتوزيعها ويبدو أن الذين يشرفون على هذا الجهد أحسوا أن هناك محاذير تعيق توسيع عملهم فهداهم الله أن يتوجهوا الي وسائل الاعلام فجاؤوا الى جريدة "اليوم" السعودية وهى في الدمام على الخليج العربي في أقصى شرق المملكة العربية السعودية بعد ان رأوا كيف يتعامل الاعلام السوداني مع الوضع.
وحتى اليوم لا أعرف لماذا اختاروا جريدة "اليوم" وهناك صحف أخرى في وسط وغرب المملكة لكني استطيع أن أزعم أنه كان اختيارا موفقا وسع مساحة نشر أخبار المجاعة لتصل الى شرق وشمال المملكة والى دول الخليج المجاورة فقد سبق أن وصل الخبر الى سكان المنطقتين الغربية والجنوبية على البحر الاحمرولهما اتصال مباشر بشرق السودان والى المنطقة الوسطى ثم لعل مشيئة الله أيضا ارادت أن تسند هذه المهمة لاشخاص يكونون شهودا يوثقونها ثم يبلغونها الى أهلها.
وهكذا كانت البداية في الاسبوع الاخير من شهر ديسمبرعام 1984 عندما استدعاني رئيس التحرير الى مكتبه ووجدت عنده ضيفين عرفني اليهما (الدكتور محمد بن عبد الله الهرفي  والشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل).
وقال انهما تحدثا اليه عن وضع مأساوي يعيشه سكان شرق السودان بسبب الجفاف والتصحر وان المملكة العربية السعودية تقوم بارسال مساعدات تتم بجهد شعبي الي الاقليم وانهما يعتقدان أن هذا الجهد بحاجة لدعم اعلامي يعرف الناس بالوضع الانساني المتدهور هناك لاستقطاب مزيد من المشاركة الشعبية ثم قال ان الجريدة (جريدة اليوم السعودية) ترى ان من واجبها الاسهام في هذا الجهد باعتباره جزءا من رسالتها الصحفية وسألني ان كنت وزميلي المصور الصحفي عصام (ماهر) عبد الله على استعداد للسفر الى شرق السودان.
فرصة لا أعتقد أن صحفي يفرط في اقتناصها خاصة وقد كانت لي أكثر من تجربة في العمل الميداني أثناء عملي في وكالة السودان للانباء (سونا) مالم يقله لي رئيس التحرير وضيفاه في ذلك اليوم وكنت أعرفه أن مجاعة تحصد الناس في السودان وانها تجد صعوبة في تقديم المساعدة بشكل رسمي معلن بالحجم المطلوب لاهالي شرق السودان لان الحكومة السودانية كانت ترفض الاعتراف بوجود مجاعة في السودان وتقول ان المجاعة في اثيوبيا واريتريا وفي مخيمات اللاجئين من هذين البلدين داخل السودان كما كانت الحكومة الاقليمية في شرق السودان برئاسة السيد حامد على شاش ترفض الاعتراف بوجود مجاعة في الشرق وتصر على تسمية مايحدث هناك بانه مجرد "جفاف وتصحر".
وقد كتب الدكتور أبو آمنة أبو محمد أخصائي أمراض الأطفال وهو من أبناء البجا وشاهد عيان على تلك المجاعة بعد أكثر ومن خمس وعشرين سنة على تلك المأساة يقول عند تعيين الحكام كان حامد على شاش الاداري الفذهو أول حاكم للاقليم الشرقي وتم تعيين الوزراء الاقليميين من أبناء المنطقة .. تلك الحكومة كانت أكثر الحكومات شعبية في الشرق منذ الاستقلال وحتى الان رغم بعض الاخفاقات المدمرة وخاصة التستر على المجاعة الفتاكة.
ولا أدري كيف يكون اداريا فذا من تتسبب حكومته في اخفاقات مدمرة وتتكتم على كارثة مجاعة فتاكة ويترك منطقته وأهله يقتلهم الجوع  ليذهب للاستمتاع بمشاهدة مباريات في كرة القدم خارج الاقليم (في مدينة ود مدني) ويمضي أكثر من أسبوع  هناك يتبرع للاعبين بل يذهب  لابعد من ذلك فيحول أموال المحسنين الموجهة لضحايا المجاعة لبناء مدرسة ومخزن.
كيف يكون اداريا فذا وها هو مواطن يدعى أحمد موسى عمر يسألنا بعد أربع وعشرين سنة "هل تذكرون عمنا حامد على شاش حاكم الاقليم الشرقى ؟ كانت هنالك مجاعة في خور عرب فتكت بالناس عام 1983 ولم يعترف بها .عندما وقع الانقلاب، سلم الحكومة الجديدة 13 مليون من خزينة الاقليم الشرقي هى فائض واهلنا في خور عرب يموتون بالجوع لينال هو رضاء المركز خصما على جثث أهلنا في خور عرب".
لم تنشر وسائل الاعلام السودانية أي صورة عن حقيقة مايحدث في شرق وغرب السودان وكانت الصحافة السودانية تورد أخبارا شحيحة ومبتسرة تقتصر في معظم الاحيان على تصريحات المسؤولين.
فالمتابع للصحف السودانية في اواخر عام 1984 يجد انها كانت تتحدث عن النازحين من دارفور وكردفان بشكل عام. مكتفية بنقل تصريحات المسؤولين الحكوميين دون أن تورد حقيقة مايحدث من جوع ووفيات. وعندما يأتي الحديث عن شرق السودان يكون عن النازحين من أثيويا واريتريا فتناشد دول العالم لتقديم المعونات العاجلة للاجئين.
كانت الصحف تكذب على القراء بنقلها تصريحات مسؤولين يقولون "إن الذرة والاغذية متوفرة" وكمثال على ذلك كتبت جريدة الايام على صدر صفحتها الاولى تحت عنوان انتاجية الذرة بالشرقي تتراوح  بين 3 و5 مليون جوال" تقول أفادت تحريات الايام أن الانتاجية المتوقعة للفدان من الذرة بمشروع حلفا الزراعية تبلغ مابين 6 الي 7 جوال في مساحة تبلغ 70 ألف فدان. وان انتاجية الفدان بلدتا طوكر يتوقع أن تكون مابين 5 الي 6 جوال في مساحة تبلغ 16 ألف فدان من الذرة .. وان الحصاد بدلتا القاش ودلتا طوكر سيبدأ في الايام القادمة.
تم تضيف " من جهة أخرى وجه السيد حاكم الاقليم الشرقي بتحويل الدعم السعودي البالغ ثمانية واثين من عشرة مليون ريال سعودي  لبناء مدرسة ثانوية ومستوصف ومخزن بمدينة القضارف" انتهى.
والمفارقة الغريبة  أن نفس الصحيفة نشرت بعد اسبوعين فقط من ذلك الخبر تصريحا لحاكم الاقليم الشرقي بالانابة سليمان عثمان فقيري. في عددها بتاريخ 4 ديسمبر على الصفحة الثالثة جاء فيه "أن 60 بالمائة من جملة سكان مديرية البحر الاحمر يعانون من الجفاف. وأن 96 بالمائة من المترددين على المستشفيات بالمدن من اللاجئين". ولعلها أرادت أن تعطي القراء انطباعاً بان حالة المواطنين لاتستدعي مراجعة المستشفيات.
يحدث هذا في الوقت الذي كان الاطباء في معسكرات الايواء في تهاميام وغيرها في أشد الحاجة الي الادوية والمضادات الحيوية التي تكاد تكون معدومة في المخيمات ويخلو منها مستشفى مثل مستشفى طوكر وهو المستشفى الوحيد في منطقة جنوب البحر الاحمر.
في الخرطوم التقينا الاستاذ على محمد شمو المتحدث الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة والاعلام  وسألناه ضمن مجموعة من الاسئلة عن الفرق بين مصطلح "الجفاف والتصحر" الذي يستخدم في السودان. ومصطلح "المجاعة" الذي يطلق على مايحدث في اثيوبيا واريتريا فقال لنا الجفاف والتصحر والمجاعة مصطلحات عالمية تعنى كل واحدة منها مرحلة معينة أخرها المجاعة وهى المرحلة التى لايجد فيها الشخص مايأكله".
ولما كان الناس الذين شاهدناهم خارج بورتسودان وحولها لا يجدون ماياكلونه اخترت "الجوع والموت" عنوانا لما نشرناه في جريدة "اليوم" السعودية لان المصطلح الثاني وحسب تعريف السيد الوزير هو الذي ينطبق على حالتهم.
لقد رأيت كيف اسهمت تغطيتنا الاعلامية بما نشرناه في ايصال صوت أولئك النناس الى مساحة أوسع وأرحم بهم وكانت في ذلك الوقت اعلانا غير مباشر عن مجاعة رفضت الخرطوم والحكومة الاقليمية الاعتراف بوجودها أو يمكنك ان تسميه تكذيبا للنفي الرسمي السوداني. وكانت الصور التى نشرناها وأسماء بعض من قتلهم الجوع دليلا ماديا وتوثيقا لايستطيع انكاره أحد.
فبعض الذين رأيتهم وتحدثت اليهم كان يمضي اليوم واليومين دون أن يجد ماياكله كما شاهدت الجثث في معسكرات تهاميام ودرديب وفي قرية ميس لايقوى الناس فيها على حفر القبور ودفن الجثث.
لم نتمكن في تلك الرحلة من زيارة كل مناطق المجاعة في الفترة الزمنية المتاحة لنا. بل ولم يكن في مقدورنا ففضلت ان اعطى أمثلة وعينات لما شاهدت وعايشت لعل العالم يلتفت لما كان يحدث في ركن منه منسي تماماً تفتك فيه المجاعة بالناس ويموت أهله في صمت لايعلم بهم سكان أقرب المدن اليهم وتقول السلطات في الخرطوم وبورتسودان وكسلا أن مايحدث مجرد جفاف وتصحر وترفض أن تسميه مجاعة.
لقد نجح اعلام الخرطوم في اخفاء  الحقيقة عن الشعب السودانى وعن العالم فلم يصدقنى شابان من نزلاء فندق زهران في بورتسودان كانا يسكنان في نفس الطابق الذي  نزلنا فيه أنا وزميلى عصام عبد الله وهما يعملان في سوق بورتسودان عندما قلت لهم أن الناس حولهم يموتون جوعا شاهدانا نخرج في الصباح ونعود مغبرين في المساء وساقهم حب الاستطلاع لسؤالنا عن ماذا نعمل هنا لكن مدير فرع البنك الزراعي في بورتسودان الذي كان يجلس علي مقربة منا استهجن ماحكيناه لهم ثم أردف قائلا "هؤلاء لاجئون وليسوا من السودانيين".
وهذا عين ماكانت تقوله الصحف والمسؤولون وقد صدقها هذا الرجل في بورتسودان فمابلك بمن هم في الخرطوم أو خارج السودان معلومات مضللة دفع ثمنها أولئك المنسيون في جبال البحر الاحمر.
هكذا اعتقد الناس داخل وخارج السودان أن المتاثرين بالجفاف أو الجوع أيا كان المسمى في شرق السودان هم اللاجئون فقط. ولذلك توجهت قوافل الاغاثة الى معسكرات اللاجئين وهم بحق كانوا بحاجة ماسة اليها. ولا أحد يرفض أو يعترض على اغاثتهم وما أردت توضيحه هنا هو ذلك الاعتقاد الخاطئ الذي رسخته السلطات الرسمية عن قصد أو جهل منها بأن اللاجئين وحدهم وليس السودانيين هم ضحايا المجاعة.
وصلنا بورتسودان عصر يوم الخميس 27 ديسمبر 1985 ونزلنا في فندق زهران وسط مدينة بورتسودان. وذهبت مباشرة الي منزل محمد عبود باعبود (الرجل الذي قيل لنا أنه سيساعدنا) فلم أجده وعرفت من أبنائه أنه ذهب لتوزيع بعض المساعدات الاغاثية لنازحين خارج بورتسودان وكنت قد عرفت من الشيخ عبد الرحمن بن عقيل قبل مغادرتي الدمام أنهما عملا معا لاستقطاب المساعدات الأولى لضحايا المجاعة في شرق السودان. والتعريف بأبعاد المشكلة في لقاءات مباشرة مع أهل الخير في السعودية. وأن  عملهم توج باقامة مركز للمعونات والمساعدات لايواء النازحين وتقديم خدمات الاغاثة لهم في شرق السودان.
جاء الرجل لمقابتنا فورعودته واتفقنا على أن نتقابل في مكتبه في صبيحة اليوم التالي حيث استمعنا منه لمزيد من المعلومات ومن ثم وضع تحت تصرفنا سيارة دفع رباعي جديدة بكامل تجهيزاتها مع سائق ظلت تحت تصرفنا الي أن غادرنا بورتسودان ومكنتنا من الوصول الي مناطق ماكنا بالغيها  الا بشق الأنفس وقال لنا ضباط إداريون في رئاسة محافظة بورتسودان إنه لم يسبق لهم طوال عملهم في المنطقة رؤيتها وماكنا لنصلها بامكاناتنا ونكتشف حجم المأساة التي سأروى في الصفحات التالية ما استطعت جانبا من فصولها المأسوية.
فما رأيته لم تستطع الكاميرا تصويره ويعجز القلم عن وصفه.
ولولا جهود باعبود ولجنته ومجموعة من الاطباء السودانيين وفي مقدمتهم الدكتور أبو محمد أبو آمنة ورجال الخير والشباب المتطوعين في بورتسودان الذين وجدناهم سبقونا الي كل مكان ودلونا الي كثير من الاماكن لم يسمع أحد بها ماقام به أولئك الجنود المجهولون بجهد شصي واحساس ذاتي بالمسؤولية ونخوة وشهامة سودانية معروفة. وماتدفق عبر البحرالاحمر من تبرعات السعوديين أسهم في انقاذ أرواح عدد كبير من أبناء شرق السودان وبصفة خاصة في منطقة البحر الاحمر فأنا وهم وانتم أيضاً مدينون لاولئك الرجال والشباب الذين رايت بعضهم في بورتسودان يقفل عيادته ومحله التجاري وينتقل بعد انتهاء عمله الرسمي ليقدم المساعدة الطبية والدعم المعنوي ويوزع الاغاثة في ديم النور وتهاميام ودرديب وغيرها بل رأيت أسرا سودانية باطفالها توزع العجوة والكسوة للنازحين صباح يوم الاستقلال (1/1/1985) فيما كانت بورتسودان الرسمية تحتفل بالعيد وتطلق صافرات البواخر ابتهاجا.
وفي شارع عشرة بالدمام حيث كنت أسكن رأيت سعوديين من شباب التجار يخرجون لجمع التبرعات ويتصل بنا آخرون في الجريدة لاخذ بعض النسخ يعلقونها في أماكن عامة لحث الناس على المساهمة وارشادهم الي أماكن تجميع التبرعات وكيفية نقلها وتوصيلها.
                                          نواصل

Saturday, August 28, 2010


تدمــير وتجــويع  بالشــرق
وتكالب علي اموال المانحين بالكويت

د. ابومحــمد ابوامنــة
يواصل مستشار الرئيس السوداني السيد مصطفى عثمان تصريحاته عن ضرورة تنمية شرق السودان مع التركيز على التنمية البشرية ووعد ان تكون هذه على رأس أجندة مؤتمر الدول المانحة المزمع عقده في الكويت نهاية هذا العام والذي تشارك فيه عدة جهات منها برنامج الامم المتحدة للتنمية وبنك التنمية الاسلامي وصندوق التنمية العربي وعدة دول:ـ
UNDP Eastern Sudan programme
Islamic Development Bank
MF/MO Donors' Conference for East Sudan
Kuwait Economic Development Fund
 Arab Socio-Economic Development Fund


الواقع وكما هو معروف للجميع فان شرق السودان من اكثر المناطق المتخلفة في السودان,  فنسبة الفقر ونسبة ضعف الدم ووفيات الاطفال دون الخامسة وكذلك وفاة الوالدات ونسبة الامية هي الاعلي ليس فقط في السودان, ولكن في العالم اجمع, حسب احصائيات قامت بها اليونسيف وهيئة الصحة العالمية واليونسكو ومنظمات غير حكومية متعددة.
 
انتشرت في الاونة الاخيرة الامراض المعدية مثل السل والملاريا ومرض نقص المناعة والتايفويد والحميات النزيفية بشكل رهيب. زد علي ذلك حالة عدم الاستقرار التي لازمت القبائل الحدودية نتيجة للمواجهات بين جيوش المعارضة وقوات الحكومة في السنين الماضية مما اجبرها للنزوح والعيش علي اطراف المدن في حالة مزرية بعد فقدانهم لحيواناتهم ولمزارعهم ولمدارسهم.
 حتي الدراسات الحكومية كالتي اجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1998م تؤكد ان التنمية في الشرق هي الادني في مستوى الدخل الفردي وتؤكد ارتفاع معدل الفقر بشكل عام, بينما تؤكد تقارير المركز القومي للمعلومات الصحية  م2003
 
ارتفاع معدلات وفيات الرضع ووفيات الأمومة وانخفاض معدلات استخدام مياه الشرب الآمنة والتخلص من الفضلات.ـ
كل هذا تستدعي ان يلتفت ضمير العالم للحالة المزرية التي يعيشها انسان الشرق ويعمل علي حلها. لقد ابدت دول متعددة رغبتها الاكيدة واستعدادها  للمشاركة بمزيد من الجهود في تنمية الشرق. ليس علي المرء الا ان يشكر هذه الدول والهيئات الدولية. ولكن لاهل الشرق كثيرا من التساؤلات عن جدوي هذه المساهمات وانسان الشرق مبعد عن المشاركة. ان الذين يستنجدون المساعدة باسم جياع الشرق الآن هم من ناس دولة الانقاذ التي اشتهرت بالفساد وبلع الاموال والتي دمرت الشرق وبنياته التحتية في السنين الاخيرة.
لقد انشأوا بالامس صندوق  قالوا هدفه التنمية واعمار الشرق, وقالوا انهم خصصوا له 600 مليون دولار بالتمام والكمال. وعندما مرت السنة تلو السنة تسآل انسان الشرق عن مصير التنمية و الاعمار.
علي الدول المانحة قبل ان تدفق الاموال ان تسأل اين مشاركة انسان الشرق في التحضيرات وفي دراسات الجدوي وفي الادارة. اي مشروعات لا يشارك فيها ابناء المنطقة الاكفاء ذو المؤهلات العالية لن تجدي. فهم اصحاب الوجعة الحقيقية وهم الدارين بشعابها. أسالوا رجال الانقاذ لماذا يستبعدون الكفاءات البجاوية وبل ظلوا يحاربونها ويبعدونها.
علي المانحين ان يسألوا عن مصير ال600 مليون دولار التي خصصت للانماء واعادة التعمير, صرفوها علي انفسهم واخفوها وبلعوعها, اجروا منها مكاتب في فيلات تخصهم بمبالغ باهظة في الخرطوم وعينوا رتلا من الاقرباء واشتروا من العربات فارهها واجروا من الفنادق افخمها ونظموا لانفسهم ورش العمل ودراسات الجدوي وبدل السفريات وهاك.. هاك يا بلع.
علي المانحين ان يتحققوا الي اين ذهبت اموال البناء والتعمير, حتي لا يكون مصير مساهماتهم كمصير ال600 مليون دولار. فالجماعة جشعون وماهرون في البلع.

علي الجهات المانحة ان تعلم ان الشرق المهدرة حقوقه هو في الواقع من اغني المناطق في السودان. فهو الذي يملأ خزينة الدولة بالعملة الصعبة عبر الدهور. الشرق غني بموارده الطبيعية, فيه الذهب الذي يصدر بواقع خمسة الي 12 طن سنويا منذ  اربعة عشر عاما, حسب تقارير شركة ارياب الرسمية, وهي الجهة التي تحتكر مواقع الذهب في مناطق واسعة في شرق السودان.
ان مناجم الذهب في الشرق ضخت مبالغ ضخمة لسلطة الخرطوم, كما هو معروف, تفوق المليارات من الدولار. ماذا كان نصيب اصحاب الحق؟ هم لم يجدوا غير الاهمال والضياع والاستعلاء ومص الدماء.
الي جانب الذهب توجد كميات ضخمة من الحديد والمانجنيز والجبص وملح الطعام والرمال السوداء
كما اكتشف حديثا البترول والغاز الطبيعي حسب تقارير وزارة المناجم والتعدين.
الي جاتب ذلك يضخ الميناء سنويا للمركز المليارات من الدولارات ايضا .

علي الجهات المانحة ان تسأل سلطة الخرطوم عن مصير موارد الشرق الضخمة وان تسال لماذا يتركون انسان فريسة للجهل وللامراض وللمجاعات ولسوء التغذية وللموت البطء.
لو تركت الانقاذ للشرق امواله لما احتاج لاموال مانحين.

ان السلطة الانقادية تواصل مص دماء ابناء الشرق دون ان تقدم لهم الخدمات اللازمة, بل حتي حق العمل غير مكفول لهم. المناصب المريحة في الاقليم الشرقي في المكاتب الحكومية والشركات والهيئات والمصانع تحتلها الطبقة الراسمالية الانقاذية, وابناء الشرق لايجدوا غير الاجحاف عندما يمدون يدهم بحثا عن العمل.

بالامس رفضت هيئة المواصفات في مدينة بورتسودان تعيين خريجين بجا في صفوفها بعد ان اجتازوا كل خطوات التعيين, وذلك لانها نوت احضار موظفين من اواسط  البلاد ممن يحملون التوصيات. انها العنصرية الكريهة التي تمارسها الدولة تجاه الاقليات.
مثل هذا الاجراء يولد كثيرا من المرارة بين ابناء الشرق.
علي الدول المانحة ان تأخذ كل الاحتياطات اللازمة حتي لا يستولي الفاسدون علي الاموال, عليها ان تستفيد من خبرة البنك الدولي في التعامل مع مثل هذه الافواه المفترسة, عليها اشراك ذوي الكفاءات من ابناء المنطقة في الادارة وفي اعداد دراسات الجدوي وفي مراقبة التنفيذ, يجب ان تراقب صرف المليم بالمليم.
عليها الا تستكين للقوم الفاسدين وتبعد ابناء الشرق عن المشاركة, فالسلطة الانقاذية هي التي تتولي تدمير وتجويع الشرق.

Wednesday, August 4, 2010

------------------------------------------------------------------------


نعي العمدة ادريس محمد حسن وسوك

انا لله و انا اليه راجعون
لقد مواصلا ومتصلا بكل اهله في شرق السودان
لقد كان الاستثناء في منظمومة الادارة الاهلية بشرق السودان
كان دائما مهموما بقضايا المنطقة ,مستنيرا و مخلصا ووفيا
نعزي اسرته المكلومة وعشيرته وكل الاوفياء من اصدقائه انا لله و انا اليه راجعون
نسال اله الكريم ان يتقبله قبولا حسنا ويدخله فسيح جناته ويلهم اهله الصبر وحسن العزاء
د. احمد اوشيك

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



                             مـؤتمر البجـا
ينعي العمدة ادريس محمد حسن وسوك

في خبر محزن صُعقت قبائل الشرق برحيل احد ركائزها وابرز قادتها بوفاة العمدة ادريس محمد حسن وسوك عميد قبيلة بيت معلا. لقد كان الفقيد رجلا غيورا على الوطن يحب ترابه وقبائله  و كان رجل سلام وتآخي بين مختلف مكونات الشرق وكان المرحوم من اوائل المنحازين للنضال الارتري من اجل الحرية والديموقراطية  وشغل مناصب قيادية لحركات التحرير الارترية- بمحافظة طوكر واخلص واوفي لها حتي تحقق النصر الاكيد.
يرفع مؤتمر البجا خالص آيات العزاء والمواساة لكل قبائل الشرق ولاصدقاء ولزملاء الفقيد من قدامي المحاربين وللأهل في بيت معلا..تغمده الله بواسع رحمته وألهم آله وذوية الصبر الجميل.إنا لله وإنا إلية راجعون.ولا حولة ولا قوة إلآ بالله العلي العظيم...

المكتب القيادي
د.ابومحمد ابوامنة

-----------------------------------------------------------------------------

              نعي العمدة ادريس محمد حسن وسوك 

ان لله وان اليه راجعون ولا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.

حقاً ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وان لفراقك يا ياادريس لمحزونون
انه لخبر مُحزن ومفأجيء حيث كنا بالامس القريب نقراء في صفحات الانترنيت تصريحات العمدة ادريس محمد حسن وسوك حول احداث ضحايا فيضانات جنوب طوكر ودعوته لتدخل الامم المتحدة والمنظمات الانسانية لاغاثة المتضررين, فأذا بنا اليوم نستيقظ علي صوت الناعي وهو يصيح برحيل العمدة مودعاً وداعه الابدي لهذه الديار الفانية..!! فيالها من صيحة حزينة لا يستشعر ألمها ووقعها المضنيء الا من عرف وعاشر العمدة والقيادي الراحل/ ادريس محمد حسن وسوك عن قرب..
فقد كان رجل اداري ثوري غيور علي اهله اينما ما كانوا, فقد كان يحمل هموم الاهل دون ان تحده الحدود الجغرافية الضيقة والمصطنعة, حيث كان احد الذين ناصروا وأزروا بشدة وحماس قضية النضال الارتري من اجل نيل الحرية والكرامة, وانا اذكر تماماً عندما كان المرحوم يشغل ممثل لمكتب جبهة التحرير الارترية- المجلس الثوري بمحافظة طوكر في وقت عصيب جداً من تاريخ النضال الارتري ففي ذلك الوقت كانت تملك الجبهة الشعبية مركز القوة بالمنطقة وكانت تمارس الارهاب والابتزاز عن طريق عمليات الاختطاف الاجرامي والاغتيالات والتصفيات الجسدية لقيادات التنظيمات الاخري, فلم يخيف ذلك الاسلوب الهمجي الراحل ادريس وسوك, ولم توقفه تلك الموجات البربرية من مواصلة طريقه المحفوف بالمخاطر, بل ظل يناصر بصورة بطولية رائعة مبادئه التي كان يؤمن بها
وبعد ذلك شغل المرحوم منصب العمدة لقبيلة البيت معلا العريقة في ظروف امنية صعبة خلفاً لاخيه الذي غادر ارض الوطن الي ارتريا حاملاً السلاح في وجه الحكومة ضمن فصائل وتنظيمات التجمع الوطني الديمقراطي.. فحمل الراحل في تلك الظروف الغامضة القبيلة الي بر الامان وتحمل مسؤليته الاجتماعية بصورة رائعة, واخذ الامانة في عاتقه وحافظ علي وحدة النسيج الاجتماعي لاهله
وعمل ايضاً المرحوم في منصب الامين العام لاتحاد مزارعي دلتا طوكر, وقد كان دوماً يسعي في خدمة اهله ويطالب بتحسين اوضاعهم المعيشية العامة
ويغادرنا اليوم المرحوم والبني عامر تعيش ظروف حرجة وهي بحاجة الي امثاله من القيادات الواعية والغيورة علي اهلها ولكن لا نملك ازاء قضاء الله وقدره الا ان نقول ما يرضى الله.. فأن لله وان اليه لراجعون.. ونسأل الله ان يتغمد المرحوم برحمته الواسع ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ونسأله تعالي ان يجزئه عن اهله خير الجزاء ويعفوا عنه ويغفر له ويبدله داراً خيراً من داره واهلا خيراً من اهله... ونسأله سبحانه وتعالي ان يجير البني عامر في مصيبتها ويبدلها خيراً منه انه ولي ذلك والقادر عليه.. اللهم امين


Friday, July 9, 2010


 منكم السيف ومنا دمنا
محمد عثمان ابراهيم
_______________________________
كان حسين خليفة في العاشرة من عمره . ذكياً، شجاعاً ، لماحاً، وسريع الحركة والإنفعال. يبدو أكبر من سنه بكثير . في الفصل كان يؤدي واجباته الدراسية دون تأجيل، وفي فترة الظهيرة  يرتق حذاءه البلاستيكي بالنار أو يحيك بعض  ثيابه بإبرة أطول من أصابعه الغضة، أو يطبخ طعامه، أو يرتل مع صحبه سوراً طوال من القرآن الكريم حفظها إبان دراسته في خلاوي الشيخ علي بيتاي(رضي الله عنه). في العصر يلعب كرة القدم أو كما يسمونها (توكور) وفي المساء إما أن يلتئم بأصدقائه ليغنوا أغاني أركة صابر بكلماتها البليغة وإيقاعات موسيقاها الحماسية الجامحة وإما ذهب إلى حيث يقيم أحد الأساتذة مجلساً للأنس والإرشاد..
 في يوم 10 ابريل 1999، كان حسين يتحدث بصوته الذي هو اشبه بالصراخ عن كل شيء. ما انفك الصبية يتسامرون في غرفة أحد الأساتذة فيما المعسكر كله يحتفل بالذكرى الخامسة لإعادة تأسيس مؤتمر البجا. حمل حسين خليفة بندقية كانت موضوعة بالقرب منه وشرع يشرح لأنداده –بحذق- كيف تعمل آلة الموت. وضع الماسورة تحت فكه مباشرة ثم وضع أصبعه على الزناد وقال: بعد أن يتم فك التأمين يتم الضغط هكذا... ثم انفجرت الجمجمة الصغيرة إلى أشلاء بطلقة واحدة كانت موضوعة على المساق المنفرد. هدوء تام!
جمعنا الجسد الغض في بطانية كبيرة.  ولعدة أيام كنا في كل مرة نجد قطعة من بقايا اللحم ملتصقة هنا أو هناك حتى هدمنا الغرفة وبنيناها من جديد.
مساء اليوم التالي كنت مع وفد النعاة الذي ذهب إلى قرية قدماييب لإبلاغ الأهل بالنبأ الحزين. قرية قدماييب إسم يطلق مجازاً على مكان قفر به بئر للسقيا ومنازل متباعدة من القش وغرفة واحدة فقط مبنية بالآجر.
أخذنا معنا في السيارة أبناء عمومة حسين وألبسناهم ملابس جديدة أنيقة (أحدهم كان طفلاً فارساً وخدوماً إسمه علي) ثم حملنا معنا بعض المواد الغذائية من سكر ودقيق وزيت لست أذكر. حين وصلنا للقرية نزل منها علي وأبناء عمه وسارعوا بالعدو نحو البيوت القريبة. من داخل البيوت خرج أطفال آخرون عراة الصدور في استقبال هؤلاء، ومن داخل المنازل إنطلقت زغاريد نشوانة في استقبال الأطفال الذين صاروا يأتون إلى بيوتهم بالسيارات! الآن اشعر بحموضة ماسخة وصخرة ضخمة في الحلق. من بين الأطفال كان هناك صبي ذي صوت مشابه لصوت حسين خليفة وهو يصرخ في فرح شديد "هسين كييا؟" أين حسين.. أين حسين.. أين حسين؟
بعد قليل تحولت زغاريد الإستقبال النشوانة إلى بكاء بصوت عال، وليس أقسى على القلب من بكاء الهدندوة. بكاء الهدندوة يجري على إيقاعات قصيرة، مكررة، متسارعة  تنزع من الشجر السكينة! للمهتمين أكثر، وعلى سبيل الإستطراد، فإن الهدندوة يبدأون البكاء على نغم  أحد الحرفين الموسيقيين (فا / لا) على عكس بقية خلق الله الذين غالباً ما يبدأون بالحرف (مي).
***
بعد ذلك بسنوات كان جمع  من الغرباء يحمل كل فرد منه قائمة مكتوبة بالمطالب وقائمة في الذهن غير مكتوبة بالطموحات، لكن الغالبية لم تكن قد سمعت بحسين خليفة، ولم تتشرف بالمرور على أرض قدماييب الطاهرة. الحق إن حسين خليفة ودمه كانا خارج السؤال. في كل قرية من قرى شرق السودان قصة مشابهة : في همشكوريب قضى رجلان نحبهما في الطريق إلى ساحة صلاة العيد، وفي تلكوك إثنان وفي تهلباي وكدبوت عشرات، وفي تقدرا عائلة كاملة بضربة واحدة (كان لديها طفل إسمه حمادة فقد بسبب موته رجل راشد عقله)  وفي عقيق وقرورة وغيرها. الحديث هنا عن المدنيين فقط !
لم يكن أي من الغرباء، الذين كانوا يتبادلون المعارف عن أربطة العنق وكلفة التسكين في الوظائف المقبلة، يعرف كيف يمكن أن يعبر هؤلاء الفقراء احزانهم وكيف يتحقق في أرضهم  الرفاه.
***
ما المناسبة الآن لهذا الحديث؟ يتلقى كاتب هذه المقالة رسائل عدداً من أبناء شرق السودان يطلبون منه الكتابة عن شئونهم. من السعودية يكتب إلي واحد: إنك إبننا الوحيد في صحافة الخرطوم فكن صوتاً لنا وممثلاً لقضايانا، وأرد عليه بانه لم يتم انتخابي من قبلكم وإنني الآن كاتب فقط. من الخرطوم يكتب إلى واحد –محرضاً- أنني لا أعدو على كوني واحد من الذين ظلت المركز يستقطبهم ليصبحوا تروساً في الآلة المضادة لأهاليهم، وأنفي التهمة عن نفسي واقول إن الصحيفة لم تكن لتهتم بأمر إلى أي المناطق في السودان أنتمي، وإن اسمي- الذي لا يعلق بالذاكرة - حرمني من التباهي باسمكم. بعد شهور من إقامتي بالصفحة السادسة في خميس (الرأي العام)  أتحدث إلى رئيس تحرير هذه الصحيفة، الأستاذ كمال حسن بخيت،  فيبلغني إنه عرف مؤخراً فقط أنني من هناك. روابط  وجمعيات ضعيفة  ومتناحرة ومنتشرة هنا وهناك وكتاب على منابر الإنترنت وأصدقاء قدامى وآخرون بأسماء مستعارة يحرضونني على أن أكون أكون كاتباً بجاويا وأنا أرفض! لماذا؟
لا أحب حساء الجماجم وهذا أمر جوهري! ثم إنك حين تقرر أن تكون كاتباً ينبغي أن تكون كاتباً فقط. إلتزام الكاتب هو أن يكتب بطريقة جيدة، هكذا تحدث غابرييل غارسيا ماركيز. ثم لماذا الكاتب وحده؟ حين تقرر أن تكون لاعب كرة قدم  فلا أحد يطلب منك أن تكون ممثلاً للبجا في المنتخب القومي، هذا أولاً وهناك أسباب أخرى.
***
ما أيسر الدفاع عن الفقراء! تحتاج فقط إلى حنجرة وبعض المفردات وطاقم من أعضاء شبكة صغيرة من الرفاق ثم ترفع صوتك عالياً لتساعد حكومة الخرطوم على التقاطك أي إسكاتك. لقد تم تسكين كل المناضلين البجا في وظائف حكومية إعاشية على الدوام. هذا لم يبدأ في عهد هذه الحكومة وإن تفشى لكنه ظل دأب المركز مع الشرق الطيّع اللدن. في عهد الرئيس نميري بدأت الحكاية حتى كادت مايو أن تخلق وزارة للإرصاد الجوي لتكون نصيباً لأهل الشرق،  وفي عهد الأحزاب استشرت الفكرة حتى جاء عهد الإنقاذ فصار الجرح أعمق من أن يداوى. هو فتق اتسع على الرتق فلننتظر يوم القيامة.
منذ خمس سنوات يشارك فريق كبير من أبناء البجا ضمن حكومة الإنقاذ في المركز والأقاليم، عظيم جداً. وهناك صندوق إسمه صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان يعمل فيه البعض وهو يوفر وظائف جيدة للبعض من خسروا المراهنة على المقاعدة الوزارية. لن نمضي كثيراً هنا لكن أي قراءة لأي تقرير من تقارير هذا الصندوق تكشف إن لا أحد يعرف شيئاً عن التنمية. التنمية لا تقاس بإحصائيات من هذا النوع " أقام الصندوق 31 مشروعاً في قطاع المياه، بقطاع التعليم وعشرة بقطاع الصحة في ولاية البحر الاحمر ...63 مشروعاً في قطاع التعليم ، 21 في الصحة، 5 مشاريع فى كل من قطاع الكهرباء وقطاع المياه ، ومشروعين لترقية القطيع الولائي ومشروع واحد فى كل من قطاع الطرق وترقية الإقتصاد بولاية القضارف...أما بولاية كسلا فقد تم تنفيذ 42 مشروعاً في قطاع المياه، 63 في قطاع التعليم ، 17 في الصحة ، 5 مشروعات في كل من قطاع تزكية المجتمع وترقية الإقتصاد" أو من نوع "خصص مبلغ 43 مليون دولار من القرض الصيني التفضيلي لحكومة السودان لتنفيذ 12 مشروعاً نوعياً بالتساوي بين الولايات الثلاث" هذا كشف حساب وقائمة منصرفات وإحصائية لا قيمة لها، البتة، في غياب السبر إلى الجوهر وقراءة المردود.
***
يشارك في الحكومة الحالية  عدد من أبناء شرق السودان وفيما عدا موقع المهندس ابراهيم محمود حامد ، وزير الداخلية ومنسوب الحزب الحاكم، فإن الآخرين لا يرجى منهم بكل أسف لأسباب بعضها متعلق بهم (هم انفسهم ومن سيخلفونهم من بعدهم) وبقدراتهم الخاصة ومساحات الحركة المتاحة لهم،  وبعضها متعلق بذهنية الخرطوم وطريقة التعامل مع شرق السودان. الخرطوم تتعامل مع شرق السودان بمنطق الإسكات وقد اثبتت هذه السياسة فعاليتها. يرفع شخص ما صوته دفاعاً عن أهله في موضوع معين، فيتم تجاهل الموضوع الذي أثاره لكن يتم تسكينه في وظيفة مؤقتة ! ولأن أهل الشرق فقراء وبؤساء وجهلة ومن طينة لدنة فإن الصوت العالي يخفت و الموضوع الأساسي يضيع. ليست هناك أمثلة فكل النماذج أمثلة.
***
الأستاذ عبدالحفيظ مريود هو أحد أفضل كتاب الأعمدة الصحفية في السودان، وهذه ليست قراءة نقدية لأعمدته أوإعلان  للإتفاق معه  بقدر ما هي تحية له. لغته رفيعة محكمة في الغالب وأفكاره ذات عمق خاص وفرادة. هو يعرف رأيي هذا وقد أبلغته به في رسالة خاصة. يوم 1/7/2010، كتب الأستاذ مريود منبهاً إلى الظلم الواقع على دارفور فطالب بالنظر ( الى أروقة وزارة الخارجية، أو كشوفات بعثاتها ليحدد كم من أبناء دارفور الأكفاء  يتدرجون في سلالمها صعداً الى درجة سفير. أو إن شاء ليتفحص كشوفات وزارة الدفاع ، الداخلين الى الكلية الحربية، الشرطة، الأمن والمخابرات، البنوك، الشركات والمؤسسات القومية، هذا قبل أن ينظر في المرعى والكلأ ومسارات الرحل). اللهم زد أهل دارفور ووسع لهم مقامات السلطان بما كسبت (أياديهم القوية) وأصواتهم العالية، لكني أقول إن هذا لا يجدي بكل أسف لأن الخرطوم ستأتي بمنسوبيها في دارفور مثلما ستأتي بمنسوبيها من شرق السودان وجنوبه. لن يصعب على الحكومة المركزية أن تأتي بساسة يرعون مصالحها بالخصم على مصالح أهلهم في الأقاليم وقد جربت هذا من قبل  ونجحت فيه .  خسر البجا نصيبهم المستحق ضمن فكرة المحاصصة العرقية والجهوية فما كسبوا شيئاً. حصل بعضهم على وظائف وهمية وقد أبلغتني مجموعة من الشباب أنهم قد تم  تسكينهم في وظيفة ضباط شرطة متقاعدين (دون رواتب تقاعدية) وأنهم منحوا منح بطاقات تفيد بذلك. قلت لهم يا لبؤس من تحدثوا باسمكم لقد اشتروا الترام ثم باعوكم إياه. لا حول ولا قوة إلا بالله : تخيل إن الحكومة عرضت على خليل ابراهيم منصب نائب رئيس جمهورية سابق، وعلى جيشه رتب ضباط شرطة بالمعاش، ترى كيف سيكون رده؟
ليست هناك مقارنة لكن من يريد المقارنة فليقرأ الجملة التالية:
قدم الحزب الحاكم أو الحكومة (لا فرق) مبلغ ستين مليون دولار أمريكي للزعيم الراحل د. جون قرنق بغرض تيسير عودة قادته ومنسوبي حركته إلى السودان بعد توقيع اتفاق السلام. في سياق آخر قدم الحزب الحاكم مبلغ ثلاثين ألف دولار فقط لزعيمين كبيرين  من زعماء مؤتمر البجا أخذاها صاغرين. السعر مبني على نوع الحساء وعلى طريقة التقديم أيضاً!
***
قبل أكثر من 15 عاماً جاءني بمكتبي في جمعية الهلال الأحمر السوداني وزير سابق كان ملء السمع والبصر، وهو يحمل تصديقاً بمكرمة من مواد الإغاثة المخصصة لضحايا المجاعة والفقراء. بعد سنوات من الوزارة كان فقيراً يرفد خبز أهله بدقيق الإغاثة. من شرفة تلك الوظيفة رأيت  مسئولين سابقين كثر كنت أتحسر على حالهم. في مكان مختلف وردتني قصة وزير آخر كان يطلب أن يتم الإتصال به دائماً في المساء فقط ، ثم علمت أنه كان يقتسم الهاتف النقال الوحيد مع إبنه، هو بالليل والإبن في النهار. ربما كان أولئك من النزاهة بحيث خرجوا من مكاتب السلطة فقراء دون أموال أو ربما أنفقوها ثم كانت عليهم حسرة ثم غلبوا، إذا صح اقتباسنا عن الآية (36) من سورة الأنفال.
على ممثلي البجا الحاليين في السلطة أن يتأملوا بإمعان في سيرة من سبقهم. وزير ملء السمع والبصر لسنوات ثم فقير مستحق للصدقة، هنا تبرز الحاجة للإجابة عن السؤال: ماذا قدمت لأهلك؟ رحم الله الدكتور أوهاج محمد موسى وزير الصحة في عهد الديمقراطية الثالثة، لقد كان يمتلك عشرات الأجوبة على مثل هذا السؤال.
***
الحل الأمثل الآن بالنسبة للبجا هو أن يلغوا هوية منطقتهم  التي تعيقهم عن الحصول على نصيب عادل في السلطة وإدارة الدولة وأن ينتسبوا لهوية أخرى يقوم أبناؤها بخدمتهم بعد أن تعثر قيام أبنائهم بخدمتهم. هذه فكرة أراها اليوم تطبق في الخرطوم. أنشأ البعض جماعة باسم ملتقى أبناء الشرق برئاسة المهندس السعيد عثمان محجوب (شايقي من أبناء نوري). صحيح إن المهندس السعيد نشأ بكسلا، وصحيح إن لعائلته حضور في مشهد شرق السودان،  لكن أما وجد أبناء الشرق واحداً ليس لديه خيار انتماء آخر ليترأس ملتقاهم هذا بالأصالة؟
هذا الملتقى هو آلية غير سياسية لتحقيق أهداف سياسية.
وهذا قد يقود إلى سؤال هو : إذن أين هي الآليات السياسية؟  والإجابة هي إن جبهة الشرق انقسمت على خطوط عرقية إلى: مؤتمر بجا لقبائل البداوييت، وحزب الشرق الديمقراطي لقبائل البني عامر والحباب، وحزب الأسود الحرة لقبائل الرشايدة العربية. انشطرت هذه الفصائل بشكل أكثر وأصغر فصارت لنا أحزاب قبلية باسماء حضرية. هكذا تحولت الأحزاب السياسية من كونها أطر حديثة أوسع من القبيلة إلى أطر أصغر من القبائل نفسها، وبدأت  تسهم بشكل خطير في انشطار القبائل التي خلق الباريء الناس عليها ليتعارفوا إن أكرمهم عند الله أتقاهم. في هذا العهد صار للبداوييت مؤتمر بجا لبعض قبائل الأمرأر بزعامة شيبة ضرار ومؤتمري بجا آخرين بزعامة موسى محمد أحمد وعبدالله كنة، وصار للبني العامر والحباب حزبين هما حزب الشرق الديمقراطي وحزب التواصل (تحت التأسيس). هناك حزب الرحمان (غير مسجل) وهناك أحزاب سرية تحن إلى ماض لن يعود وهناك أحزاب أخرى كثيرة خرجت من بطون ما ذكرنا لكنها فقط لا تستحق الذكر.
لقد أضر تسييس القبيلة بالأطر الإجتماعية القائمة ولكنه أضر أيضاً بالسياسة وبمصالح الخلق ممن لا يملكون القدرة أو لعلهم لا يرغبون في إنشاء أحزاب سياسية. ما يثير الإهتمام هو إن كل شظايا الأحزاب الشرق –سودانية، والتي تعيش حالة من الإحتراب البيني، هي على وئام كامل مع الحكومة ومع حزب المؤتمر الوطني بالتحديد وكان أحرى بقادتها أن يدخلوا زرافات ووحداناً إلى حزب المؤتمر الوطني علناً من بابه لكنهم لا يرغبون في ذلك والسبب واضح. هم لا يرغبون في التنافس داخل صفوف المؤتمر الوطني الكبير حيث المائدة الضخمة والأصابع القوية، وإنما يرغبون في أكل ما تبقى من فتات جمجمة حسين خليفة، التى انفجرت بطلقة واحدة كانت موضوعة على المساق المنفرد. هل تذكرون بداية المقال؟ استغفر الله العظيم.
* العنوان مقطع من قصيدة الراحل محمود درويش: عابرون في كلام عابر.
( عن الرأي العام 8/7/2010)

Tuesday, July 6, 2010



مـؤتمر البجـا يدق ناقـوس الخـطر.. ويدعـو لتـكوين جـبهة عـريضة


يتابع المكتب القيادي لمؤتمر البجا بكثير من القلق مظاهر تصاعد الازمة السياسية والمناقشات التي تدور حول مصير الوطن والمؤشرات التي قد تؤدي لتدميره. يري مؤتمر البجا الاتي:ـ

* لجعل الوحدة جاذبة لابد من انهاء قبضة الحزب الواحد والقومية الواحدة علي مقاليد الحكم  وانهاء فرض السيطرة الحزبية الاحادية التامة علي كافة انشطة الدولة السيادية, التشريعية, التنفيذية, والدبلوماسية ووضع حد لكل مظاهر الاستعلاء العنصري والديني.ـ

*اشراك الجنوبيين وابناء الهامش في السلطة في كل مستوياتها من وظائف قاعدية منها وقيادية ـ يشمل ذلك الوزارات السيادية ووكلاء الوزارات, والهيئات والدواوين الحكومية وكافة مناشط الخدمة المدنية والقوات النظامية ـ

* تعيين رئيس للوزراء له سلطة حقيقية من ابناء الجنوب المشهود لهم بالكفاءة للفترة الانتقالية والي ما بعد ذلك في حالة خيار الوحدة ـ

* موارد البترول والمعادن الاخري هي ملك للاقليم المنتج فيجب ان يترك له حق التصرف فيها مع تحديد نسب مشاركة المركزفيها بالتراضي.

* تركيز التنمية في المناطق الاكثر تخلفا ومحاربة المجاعات والامراض.
  
* تدل كافة المؤشرات ان الانفصال سيؤدي الي حالة فوضي وعدم استقرار ودمار ليس فقط في السودان وانما في كل الاقطار المجاورة.ـ

*  سلطة الانقاذ هي اكبرعائق للوحدة, وممارساتها ستؤدي بلا شك الي تفكيك ودمار البلد.

* لتحقيق الوحدة والاستقرار والديموقراطية لابد من ازالة حكم الانقاذ الدكتاتوري.

* هنا ندق ناقوس الخطر بان بقاء الانقاذ معناه الانفصال والاحتراب والدمار.

* ولذلك نضم صوتنا لكل الذين يدعون لقيام جبهة عريضة تضم كل المواطنين المخلصين من اجل وطن ديموقراطي موحد تتساوي فيه كل القوميات وتتآخي وتحترم فيه كل المعتقدات والثقافات والتراث.ـ

* إن مؤتمر البجا يدعو كل ابناء شعبنا في الشمال والجنوب وكل النقابات وكل منظمات المجتمع المدني من اتحادات للطلاب والصحفيين والقانونيين ورجال الدين وزعماء العشائر وكل الناشطين في الساحة السياسية وكل القياديين في الداخل والخارج وكل الحركات المسلحة ليعملوا معا لتاسيس الجبهة العريضة لتفادي الدمار الذي يطل علي الوطن.

* الانفصال وراؤكم والعدو امامكم.ـ

* يدعو مؤتمر البجا بالاخص الحركة الشعبية لتلعب دورها وتتمسك دون هوادة بشعارها التاريخي لبناء السودان الجديد الموحد الذي نادي به الشهيد جون قرنق المبني على أساس الديمقراطية التعددية، والتداول السلمي للسلطة.

* يناشد المكتب القيادي لمؤتمر البجا الحركة الشعبية لتبادر وتدعو لمؤتمر جامع يضم كل قيلدات القوي الوطنية الحديثة الفاعلة في الداخل والخارج للتفاكر حول قضايا الوطن المصيرية وايجاد الحل لها. ـ

فالي الامام حتي النصر..

المـكتب القـيادي لمـؤتمر البجـا

د. ابومحــمد ابوآمــنة

DR. TAHA OSMAN BILEYA

DR. TAHA OSMAN BILEYA
BEJA HERO FOUNDER OF BEJA CONFERENCE 1958